الخميس، 23 ديسمبر 2010

عنف وإثارة..الرسوم المتحركة تشارك في تربية أطفالنا


أحد الأطفال قفز من الطابق الثالث متشبهاً ببطله المحبوب سوبر مان كما يروى.. وأطفال آخرون يتشبهون بهذا البطل أو ذاك ممن يحبون من أبطال أفلام كرتون التي أصبحت اليوم تلعب دوراً في تربية الطفل وسلوكه.. وهذا الدور يبدو اليوم بين شد وجذب بسبب إشكالية طبيعته والأثر الذي تحدثه لدى أطفالنا من سلوك عدواني بسبب كم العنف في هذه الأفلام أولاً.. ومشكلات أخرى قد لا تقل أهمية
في هذا الريبورتاج نقف مع البعض من أهل الخبرة في مجال التعامل مع أفلام كرتون، وإنتاجها، والإشراف على عرضها بغية الحديث عن دور وأثر أفلام كرتون في حياة أطفالنا وسلوكهم.. 

هالة الأتاسي:
الكرتون اتهم ظلماً
السيدة هالة الأتاسي رئيسة دائرة برامج الأطفال السابقة في التلفزيون والخبيرة المختصة في هذا المجال على المستويين المحلي والعربي من خلال مشاركاتها في الدراسات والمؤتمرات المختصة بدأت حديثها بالقول:
الكرتون اتهم ظلماً بالترويج لمفاهيم وقيم غير مناسبة للطفل.. أولاً أريد أن أقول إن أفلام الكرتون طريقة مطواعة جداً ومتطورة وجميلة جداً، طريقة توصيل جيدة، وإلقاء اللوم على الرسوم المتحركة مسألة تتعلق بطريقة التعبير أو الرسالة التي تحملها والتي يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية. وباعتقادي أن الرسوم التي يشاهدها الطفل هي دون الوسط والسبب رغبة الشركات التي تقوم بالاستيراد أو الدبلجة، فهدفها الأول هو الربح، وهو هدف تجاري وبالتالي نشاهد مثل هذا الكم.
وهذا الكلام أقوله عن معرفة بواقع إنتاج أفلام الكرتون في العالم، فقد كنت مطلع الشهر الماضي مشاركة كعضو لجنة تحكيم في مهرجان الأطفال السادس عشر الذي أقيم في القاهرة، وقد شاهدنا أفلاماً متميزة من خلال مشاركة 40 دولة منها مثلاً: بولونيا، أستراليا، سويسرا، بلجيكا، بريطانيا، الكويت، مصر.. وبالمناسبة لم يكن بينها فيلم عنف واحد وكان المستوى جيداً، والأفلام تتناول الأدب العالمي والتراث مع رؤية بصرية جيدة، أو تعتمد القصة المرحة اللطيفة، وباعتقادي مثل هذا المستوى يناسب الجميع صغاراً وكباراً..
أنت عملت كرئيسة دائرة ومع ذلك لم نلحظ شيئاً متميزاً كما تعبّر أفكارك؟
العمل التلفزيوني تكمن أهميته وصعوبته وجماله وآفاقه بأنه عمل جماعي لا يمكن أن يعتمد على الفرد الواحد مهما كانت كفاءته ورغبته.. ولذلك إذا كانت الأدوات التي ينبغي أن تساعد على العمل دون المستوى لن تكون النتيجة جيدة، وهذا عمل يحتاج إلى تأهيل مستمر، وتدريب مستمر، وإلى نوع من الحماية من المتطفلين وهذا غير متوفر. ومجرد إبداء الرأي كان يعدّ عرقلة أمام البعض. وفيما يتعلق بإنتاج الرسوم المتحركة أنت تختار ما هو موجود، وما تقدمه الشركات العربية، والشركات تتجه إلى الكرتون الياباني، وهو سيد الساحة، ولا يمكن أن أقول أنه سيء لكن المستورد منه هو دون المستوى ونحن مجبرون على الاختيار منه.
البعض يتحجج بالمجتمع والقيم لحجب "القبلة" أياً تكن ما رأيك؟
اسأل هل الطفل في جزيرة معقمة ومعزولة عن الحياة وعما يعرض على الشاشات للكبار. نحن نفاجأ كثيراً بالواقع، ففي دراسة قدمتها لمجلس التنمية والطفولة في القاهرة، ودراسات أخرى عديدة، اكتشفنا أن الأطفال يقبلون على مشاهدة أعمال الكبار أكثر من أعمال الصغار رغم كل ما فيها.
عندما تكون القبلة في سياق محترم في أفلام كرتون، بين أب وأم، أطفال، علاقة حب، لا أتصور أن في ذلك ما يسيء، فالحب أساس وجودنا، عندما تقدم القبلة بشكل مهذب وضمن سياق أخلاقي فهي جيدة، والأسوأ ما يقدم على الشاشة من الابتذال والسوقية وما يخدش حياء الجميع.
هل هناك رؤية للقائمين على التلفزيونات العربية بتقديرك فيما يقدمونه للطفل؟
لا تحكم التلفزيونات رؤية واضحة الأهداف، ولا توجد سياسات للوصول إلى أي رسالة، الظروف هي التي تحكم واقع العمل في معظم الأحيان.

إياد حجازي:
بحاجة لقليل من التشويق والإثارة
السيد إياد حجازي مشرف فني وخبير في أفلام كرتون ويعمل في مجال الدوبلاج، بدأنا معه الحوار بالحديث عن المعايير التي تحكمه في اختيار ما يقوم بالعمل عليه؟
بالعموم المعايير تتبع للمؤسسة، التي تعمل، ومع انتشار الفضائيات وضعف تأثير المؤسسات الحكومية أصبح الإرسال متاحاً لمن يشاء، ولذلك فالمعايير مرتبطة بالقائمين على هذه المؤسسة أو تلك، وهل هم تجار أم أشخاص معنيون بالقضية التربوية من الناحية المبدئية؟ هناك أشخاص يستطيعون التوفيق بين الحالتين لأن الربح مسألة قائمة وضرورية، لكن التجارة في هذه المسألة خطيرة جداً، والإتجار بالمخدرات أقل ضرراً على الأمة من الإتجار بالأطفال ومستقبلهم. وهنا يأتي دور الإعلام بمتابعة هذه المسائل وكشفها.
الأطفال اليوم يقضون ما يعادل 4 ساعات بالمدرسة، ومثلها أمام التلفاز، لكن الأولى غصباً عنهم والثانية غصباً عن أهلهم. وأنا أرى أن أفلام كرتون قد تكون سلاحاً في حال استعماله بشكل مدروس وصحيح، واليوم مثلاً أصبح لدينا أطفال دون سن المدرسة ويتكلمون الفصحى بطلاقة وخاصة إذا أخذنا أطفال الجزائر والمغرب العربي بعين الاعتبار.
وماذا عن خصوصية المجتمع العربي؟
من غير المنطقي أن نربي أبناءنا وفق قيمهم القادمة مع أفلام الكرتون التي قد تكون موجهة لأسباب اقتصادية، أو لطبيعة المشكلات التي يعيشها مجتمعهم، فيغيب الطفل العربي عن الشاشة العربية.. وهنا يتم التخفيف من حدة هذه الأفلام وأثرها بالموضوعات الإنسانية العامة والتشجيع على الرياضة والتعليم وفتح آفاق الخيال من خلال هذه الأعمال.
مشكلة العنف المفرط في بعض الأفلام؟
العنف موضوع معقد جداً، ماذا يقصد به؟ هناك من يرى في أي عمل أنه عنف، وأنا لا أوافق على هذا الرأي، كنا صغاراً قبل أفلام كرتون وكانت ألعابنا تدور حول الشرطة والقتال في الشوارع.. إنها أشياء مغروسة في الأولاد ولا يصنعها مسلسل، بل أعتقد أن أبناء هذه الأيام أقل عنفاً مما كنا في طفولتنا، فهم اليوم يصرخون كثيراً ولا يقفزون كفاية، والبدانة أمر شائع بسبب قلة الحركة.
أما بعض الأفلام التي تحوي مبالغة في تقديم العنف، فأنا أفضّل عدم عرضها وفي النهاية أعتقد أن التربية المتوازنة والسليمة في البيت تساعد في حماية الطفل من هذه الأشياء وقد علق ابني عندما سمع بحكاية سوبرمان وقفزه من الطابق الثالث بقوله إن المشكلة في الطفل وليس في المسلسل لأنه الوحيد الذي قفز من بين الملايين الذين شاهدوا المسلسل..
وأظن أن القليل من التشويق وأفلام الأكشن "الحركة" ليست سيئة لأنها في الغالب تتحدث عن الدفاع عن الحق والدفاع عن الوطن..
وهل هناك رؤية وراء تحكم عمل المحطات التلفزيونية؟
بتقديري أن الدوبلاج بمثابة نافذة على العالم، ويطلع على التراث، مهمتنا أن نربي أبناءنا. كذلك لا بد من الإنتاج المحلي، وقد بدأ الإنتاج في سورية يأخذ مداه وبعض الشركات تقدم أعمالاً لكنه مازال أقل من المطلوب. وأنا أعتقد أنه توجد محطات تقدم رؤية ما.. والأهم في كل ما سبق هو أن نوجه أطفالنا إلى أن ما يشاهدونه على الشاشة يحدث على الشاشة فقط، وأن ما يحدث في الحياة شأن آخر.
ماريا ديب:
نسعى لاختيار الأفضل
السيدة ماريا ديب رئيسة قسم برامج الأطفال في التلفزيون السوري بدأت عملها هذا منذ عدة شهور وقد تحدثت بداية عن العمل الحالي في المديرية فقالت:
البرامج التي تعرض حالياً كانت مقررة سابقاً مع بعض التعديلات وقد حاولنا أن نقدم فيها شيئاً يؤسس لسلوكيات صحيحة عند الأطفال من خلال غرس القيم التي يجب أن يأخذوها عبر برامج الأطفال ومن خلال التأكيد على السلوك الاجتماعي والقيم التي تربينا عليها.
هل هناك استعدادات جديدة؟
قمت بإعداد استبيان لشرائح متعددة من الأطفال ما بين سن الثالثة والخامسة، وما بين السادسة والرابعة عشرة مثلاً، وتضمن هذا الاستبيان أسئلة حول البرامج التي تقدم للأطفال مثل: ما هي المحطة الأكثر مشاهدة؟ ما هي البرامج المتابعة؟ وما نوع البرنامج المفضل؟ وأسئلة حول المنافسة بين البرامج العربية والأجنبية، وأسئلة عن شكل التقديم، ومقترحات الأطفال بخصوص ما يشاهد أو يفضّل.
وماذا عن لجان المراقبة، والمعايير التي تحكم عملها؟
لدينا لجنة مراقبة مختارة من شريحة مهمة من العاملين في التلفزيون ممن يتميزون بمستوى عال في الثقافة والعلم. ونحن لدينا معايير لاختيار المسلسلات والبرامج التي سنقدمها لأطفالنا، ونحرص مثلاً، على الابتعاد عن الأفلام التي تتميز بالعنف بغض النظر، أحياناً، عن الشكل الجميل الذي قد يكون العمل أنتج فيه.. نحن يعنينا المضمون أيضاً.
وماذا عن بعض القضايا ذات الطابع الاجتماعي؟
أنا أعتقد أننا يجب أن نعوّد أبناءنا على فهم هذه القضايا بشكل جيد من خلال تقديم المحترم من الأعمال الكرتونية.. وكل شيء فيه فكرة، وفيه تطوير لثقافة الطفل والمجتمع نقوم بأخذه والموافقة عليه.
وفيما يتعلق بالمسلسلات التي تنتج ضمن التلفزيون السوري نحن نستبعد كل نص لا يقدم فائدة حقيقية ويضيف شيئاً.
شادية التنير:
الصراع موجود وكذلك العنف 
السيدة شادية التنير معدة برامج للأطفال، وعضو لجنة رقابة في التلفزيون السوري تحدثت عن طبيعة عملها وكيفية اختيار أعمال الأطفال والموافقة عليها:
نقوم بالاختيار بحسب مجموعة من النقاط التي نراها ضرورية للعمل مثل الفائدة والمتعة والشكل الفني هو الأخير بالنسبة لي. وفيما يخص قضية العنف تحديداً أقول يمكن أن يكون العنف موجهاً ضمن العمل، وهناك بعض الأعمال التي يكون فيها العنف مبرراً فهي تسعى إلى الخير، لا سيما وأن الأعمال تقوم على الصراع بين الخير والشر.. ولا بد من وجود عنف، فالبطل قد يتعرض لعنف مبرر وهذا مقبول.. إنما يكون العنف مرفوضاً عندما يكون أشبه بفيلم أميركي مصغر أو يتناول أفكار مصاصي الدماء مثلاً.. هذا يصبح مرفوضاً تماماً..
-
وبدورنا نقول إن ما استقرأناه من أرض الواقع، من خلال الأهل والأطفال والمتابعة، وما استعرضناه من المعنيين بشأن برامج الأطفال في القطاع العام والخاص على السواء، يؤكد وجود مشكلة حقيقية في أفلام الرسوم المتحركة الموجهة للأطفال، ولا يوجد هناك استثناء كبير لأن الإنتاج العربي لم يضع في حسبانه برامج الطفولة والكرتون بشكل واسع.. وهذه المشكلة لم نثرها لنقرأ الآراء فقط، وإنما لنضعها بين أيدي المعنيين بشؤون الطفولة على المستوى العربي، للتأكيد على انتقاء المناسب، والتوجه إلى الطفل وعالمه كما يتم التوجه إلى عالم الكبار.
الطفل يستحق منا اهتماماً أكبر، ويستحق أن نمضي أوقاتاً طويلة في تقديم الوجبات الفكرية المناسبة والدسمة له.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق